الخميس، 28 فبراير 2008

*المتوفي أم المتوفَى



شاع بين الناس استعمال اسم الفاعل (المتوفي) للدلالة على من مات، وهم باستعمالهم اسم الفاعل يقيسون الفعل (تَوفّى) على الفعل (مات) لأنهم يرونه بمعناه فكما قالوا (الميت) من (مات) قالوا (المتوفي) من (توفَّى)، وينكر بعض المصححين هذا الاستعمال بحجة أن الموروث من الاستعمال العربي الشائع هو وصف من مات بأنه (مُتوفَّى) أي باسم المفعول لا اسم الفاعل؛ لأن الله هو الذي يتوفى الأنفس فهو المتوفِي وأما الإنسان فهو المتوفَّى. على أن استعمال الناس اليوم له ما يسوغه من الاستعمال المرويّ وله ما يسوغه من المعنى.
ذكر أحمد مختار عمر في (العربية الصحيحة، ص 35) أن هذا مما صححته القراءة القرآنية. وقال ابن جني في (المحتسب،1: 125): "ومن ذلك ما رواه أبو عبدالرحمن السُّلَمي عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: ﴿وَالَّذِينَ يَتَوَفَّوْنَ مِنْكُم﴾[234-البقرة] بفتح الياء. قال ابن مجاهد: ولا يُقرأ بها. قال أبوالفتح: هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي مستقيم جائز؛ وذلك أنه على حذف المفعول، أي: والذين يَتَوَفَّون أيّامَهم أو أعمارَهم أو آجالهم". ومثله قراءة قوله تعالى﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى﴾ [الحج:5]قال السمين في (الدر المصون، 10: 356): "وقرأت فِرْقَةٌ "يَتَوَفَّى" بفتح الياء. وفيه تخريجان، أحدهما: أنَّ الفاعلَ ضميرُ الباري تعالى أي: يَتَوَفَّاهُ اللهُ تعالى، كذا قدَّره الزمخشري. والثاني: أن الفاعلَ ضميرُ (مَنْ) أي: يَتَوَفَّى أجلَه". ويذهب يوسف الصيداوي في (اللغة والناس، ص:246) إلى أن المسألة متعلقة بالمعنى المراد "إذا أردت أن تقول: إن الله قبض نفسَ فلان، فالله توفّاه، والله إذًا هو المتوفِّي والإنسان هو (المُتَوَفَّى). وأما إذا قصدت أن تقول: إن هذا الإنسان الذي قضى نَحْبَه قد استوفَى ما كتَب الله له من العُمُر في هذه الحياة، وتوفَّى المدَّة المقسومة له، فهذا الإنسان إذًا هو (المُتَوَفِّي). فالمسألة إذًا مسألة معنًى". ولست أجادل في أن المسألة مسألة معنى ولكني أجادل في كنه المعنى والمقصود به ذلك أن ما ذكره ابن جني أو السمين أو الصيداوي في نظري ليس من المعنى الذي يخطر في بال المستعمل الحديث للغة بآية أنك لو سألت أحدًا ما معنى (تَوفى الرجل) بفتح التاء لقال لك أي: مات، فالمعنى الذي يدركه المستعمل اللغة اليوم هو المعنى الوظيفي للفعل (توفى) أي الدلالة على حدوث الموت، ولست تجد المستعمل اليوم يربط (تَوفى) بمعناه المعجمي الأصلي الدال على استيفاء ما للإنسان من الحياة.
والذي ننتهي إليه أن من يستعمل الفعل المبني للمجهول (تُوفي) واسم المفعول منه (متوفَّى) هو متابع للاستعمال الموروث وأما من يستعمل الفعل المبني للمعلوم (تَوفى) قياسًا على (مات) واسم الفاعل منه (متوفِّي) فهو مصيب أيضًا لأن له من المروي ما يوافقه، وله من المعنى الوظيفي الذي أشرت إليه ما يسوغه، واللغة آخر الأمر اصطلاح بين أهلها وللمتأخر من حقّ التصرف ما للمتقدم متى التزم نظام اللغة لا يخرم منه شيئًا ولا يأتي بصدع لا يرأب.
ــــــــــ
المجلة الثقافية (صحيفة الجزيرة)، الإثنين 23 ,ذو القعدة 1428ﻫ,العدد 225.

ليست هناك تعليقات: