الخميس، 28 فبراير 2008

*أي هكذا خلقت



تعرب (أيٌّ) في كل أحوالها، غير أن بعض النحويين استثنوا حالاً واحدة وهي حين تكون (أيٌّ) مضافة وصدر صلتها محذوف، وعليه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا﴾[69-مريم] إذ يلاحظ أن (أيًّا) ضُمت وهي مفعول به للفعل (لننْزعنَّ) وهي مضافة إلى الضمير (هم) وصلتها الجملة الاسمية المؤلفة من مبتدأ محذوف (هو) والخبر (أشد): أيهم هو أشد. وكان حقّ (أيّ) في هذا الموضع النصب (أيَّهم) وحُكي أن هارون الأعور قرأ الآية المذكورة أعلاه بالنصب. و(أيّ) تعرب إن كانت مفردة ذكر صدر صلتها أم لم يذكر: أكرمتُ أيًّا هو أفضل/ أكرمتُ أيًّا أفضل. وتعرب إن كانت مضافة وصدر صلتها مذكور: أكرمتُ أيَّهم هو أفضل. فإن حذف صدر صلتها ضمت، ولا تضم إن دخل عليها جار لأنها معربة: مررت على أيِّهم هو أفضل/ مررت على أيِّهم أفضل.
واختلف النحويون في تفسير ضم (أيهم) الذي حذف صدر صلتها، فذهب يونس إلى أنّ الفعل (لننْزعنّ) معلق فليس له تأثير لفظي في (أيُّهم) فهي مبتدأ وأشد خبره، وأما الخليل فذهب إلى أن الفعل غير معلق ولكن الجملة بعده محكية وهذا يعني أنّ (أيُّهم) لها استقلالها الداخلي وهي مبتدأ، وأما سيبويه فذهب إلى أنها بنيت على الضم وهي في محل نصب مفعولاً به، وأما الكسائي فحين سئل عن ضمها في موضع حقها أن تنصب فيه قال: "أيٌّ هكذا خلقت". وكأن قوله هذا علة لهذه الظاهرة، وكأن بعض الظواهر اللغوية يعسر تفسيرها، ويكفي أن نصف حدوثها. ولعل هذا ما أراده بعض النحويين حين أوصى بتجنب العلل الثوالث.
ولئن جاز لنا أن نتابع الكسائي في قوله (أيٌّ هكذا خلقت) فليس لأنها ضمت حين أضيفت وحذف صدر صلتها بل لأنها خالفت نظائرها من الأسماء المبنية مثل من وما وأين ومتى وكم وكيف وأيّان وأنّى فقد كان حقها أن تبنى بناءهن ولكنها أعربت كما أعربت (كلٌّ) و(بعضٌ)، وإعراب هذه الألفاظ المبهمات إعراب لفظي وإنما الإعراب لما أضيفت إليه‘ فإذا قلت: جاء (كلُّ الرجال) فالفاعل في الحقيقة الرجال وإنما استعملت (كل) للاستغراق كأنك تقول: جاء الرجال كلهم. ومثلها: عرفتُ بعض الأمور، فالمفعول به في الحقيقة (الأمور) وإنما استعملت (بعض) لنفي إرادة الاستغراق. ومثلهما (أي) تقول: يستهويني أيُّ كتاب، فالفاعل (كتاب) وإنما استعملت (أيّ) لنفي إرادة الواحد، لأنه هناك فرقًا بين قولك: (يستهويني كتابٌ) و(يستهويني أيُّ كتابٍ) ففي الجملة الأولى أردت كتابًا واحدًا؛ ولذلك قد تسأل عن تحديده: ما هو؟ وأما في الجملة الثانية فلم ترد كتابًا واحدًا بل جنسًا من الأجناس هو جنس الكتب. ويصح أن تقول في معناها: (يستهويني الكتاب) فالمعنى يستهويني هذا الجنس من الأشياء.
ــــــــــ
الإثنين 2 ,ذو القعدة 1428ﻫ،العدد 222.

ليست هناك تعليقات: